سورة الحجرات - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


قوله عز وجل: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} اختلف في سبب نزولها على أربعة أقاويل:
أحدها: ما رواه عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال بالسعف والنعال ونحوه فنزلت هذه الآية فيهم. الثاني: ما رواه سعيد عن قتادة أنها نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مدارأة في حق بينهما، فقال أحدهما للآخر: لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته، وأن الآخر دعاه ليحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه، فلم يزل بهما الأمر حتى تواقعوا وتناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال، فنزلت فيهم.
الثالث: ما رواه أسباط عن السدي أن رجلاً من الأنصار كانت له امرأة تدعى أم زيد وأن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها، وأن المرأة بعثت إلى أهلها، فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها، فخرج الرجل فاستعان أهله، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت هذه الآية فيهم.
الرابع: ما حكاه الكلبي ومقاتل والفراء أنها نزلت في رهط عبد الله بن أبي بن سلول من الخزرج ورهط عبد الله بن رواحة من الأوس، وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمار له على عبد الله بن أبي، وهو في مجلس قومه، فراث حمار النبي صلى الله عليه وسلم، فأمسك عبد الله أنفه وقال: إليك حمارك، فغضب عبد الله بن رواحة، وقال: أتقول هذا لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله هو أطيب ريحاً منك ومن أبيك، فغضب قومه، وأعان ابن رواحة قومه حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت هذه الآية فيهم، فأصلح رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم.
{فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} البغي التعدي بالقوة إلى طلب ما ليس بمستحق.
{فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي} فيه وجهان:
أحدهما: تبغي في التعدي في القتال.
الثاني: في العدول عن الصلح، قاله الفراء.
{حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: ترجع إلى الصلح الذي أمر الله به، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: ترجع إلى كتاب الله وسنة رسوله فيما لهم وعليهم، قاله قتادة.
{فَإِن فَآءَتْ} أي رجعت.
{فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني بالحق.
الثاني: بكتاب الله، قاله سعيد بن جبير.
{وَأَقْسِطُواْ} معناه واعدلوا.
ويحتمل وجهين:
أحدهما: اعدلوا في ترك الهوى والممايلة.
الثاني: في ترك العقوبة والمؤاخذة.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي العادلين قال أبو مالك: في القول والفعل.


قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مَِّن قَوْمٍ} الآية. أما القوم فهم الرجال خاصة، لذلك ذكر بعدهم النساء. ويسمى الرجال قوماً لقيام بعضهم مع بعض في الأمور، ولأنهم يقومون بالأمور دون النساء، ومنه قول الشاعر:
وما أدري وسوف إخال أدري *** أقوم آل حصن أم نساء
وفي هذه السخرية المنهي عنها قولان:
أحدهما: أنه استهزاء الغني بالفقير إذا سأله، قاله مجاهد.
الثاني: أنه استهزاء المسلم بمن أعلن فسقه، قاله ابن زيد.
ويحتمل ثالثاً: أنه استهزاء الدهاة بأهل السلامة.
{عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ} عند الله تعالى. ويحتمل: خيراً منهم معتقداً وأسلم باطناً. {وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرُا مِّنْهُنَّ}.
{وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: ولا تلمزوا أهل دينكم.
الثاني: لا تلمزوا بعضكم بعضاً: واللمز: العيب.
وفي المراد به هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يطعن بعضكم على بعض، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد ابن جبير.
الثاني: لا تختالوا فيخون بعضكم بعضاً، قاله الحسن.
الثالث: لا يلعن بعضكم بعضاً، قاله الضحاك.
{وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} في النبز وجهان:
أحدهما: أنه اللقب الثابت، قاله المبرد.
الثاني: أن النبز القول القبيح، وفيه هنا أربعة أوجه:
أحدها: أنه وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به. قال الشعبي: روي أن وفد بني سليم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وللرجل منهم اسمان وثلاثة فكان يدعوا الرجل بالاسم فيقال إنه يكره هذا، فنزلت هذه الآية.
الثاني: أنه تسمية الرجل بالأعمال السيئة بعد الإسلام... يا فاسق... يا سارق، يا زاني، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه يعيره بعد الإسلام بما سلف من شركه، قاله عكرمة.
الرابع: أن يسميه بعد الإسلام باسم دينه قبل الإسلام، لمن أسلم من اليهود... يا يهودي، ومن النصارى... يا نصراني، قاله ابن عباس، والحسن. فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من أصحابه بأوصاف فصارت لهم من أجمل الألقاب.
واختلف في من نزلت فيه هذه الآية على أربعة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمسان وكان في أذنه ثقل فكان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسمع حديثه، فجاء ذات يوم وقد أخذ الناس مجالسهم فقال: «تَفَسَّحُواْ» ففعلوا إلا رجلاً كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يفسح وقال: «قَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعاً» فنبذه ثابت، بلقب كان لأمه مكروهاً، فنزلت، قاله الكلبي والفراء.
الثاني: أنا نزلت في كعب بن مالك الأنصاري، وكان على المغنم فقال لعبد الله بن أبي حدرد: يا أعرابي، فقال له عبد الله: يا يهودي، فتشاكيا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهما، حكاه مقاتل.
الثالث: أنها نزلت في الذين نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات عند استهزائهم بمن مع رسول الله من الفقراء والموالي فنزل ذلك فيهم.
الرابع: أنا نزلت في عائشة وقد عابت أم سلمة.
واختلفوا في الذي عابتها به فقال مقاتل: عابتها بالقصر، وقال غيره: عابتها بلباس تشهرت به.


قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ} يعني ظن السوء. بالمسلم توهماً من غير تعلمه يقيناً.
{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني ظن السوء.
الثاني: أن يتكلم بما ظنه فيكون إثماً، فإن لم يتكلم به لم يكن إثماً، قاله مقاتل بن حيان.
{وَلاَ تَجَسَّسُوا} فيه وجهان:
أحدهما: هو أن يتبع عثرات المؤمن، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
الثاني: هو البحث عم خفي حتى يظهر، قاله الأوزاعي.
وفي التجسس والتحسس وجهان:
أحدهما: أن معناهما واحد، قاله ابن عباس وقرأ الحسن بالحاء. وقال الشاعر:
تجنبت سعدى أن تشيد بذكرها *** إذا زرت سعدى الكاشح المتحسس
وقال أبو عمرو الشيباني: الجاسوس: صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير.
والوجه الثاني: أنهما مختلفان. وفي الفرق بينهما وجهان:
أحدهما: أن التجسس بالجيم هو البحث، ومنه قيل رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور وبالحاء هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه.
الثاني: أنه بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولاً لغيره. والتجسس أن يجس الأخبار لنفسه ولغيره.
{وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} والغيبة: ذكر العيب بظهر الغيب، قال الحسن: الغيبة ثلاثة كلها في كتاب الله: الغيبة والإفك والبهتان، فأما الغيبة، فأن تقول في أخيك ما هو فيه. وإما الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة قال: «هُوَ أَن تَقُولَ لأَخِيكَ مَا فِيهِ فَإِن كُنتَ صَادِقَاً فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِن كُنتَ كَاذِباً فَقَدْ بَهَّتَّهُ».
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} فيه وجهان:
أحدهما: أي كما يحرم أكل لحمه ميتاً يحرم غيبته حياً.
الثاني: كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً كذلك يجب أن يمتنع عن غيبته حياً، قاله قتادة. واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب بذلك جارية قال الشاعر:
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم *** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
{فَكَرِهْتُمُوهُ} فيه وجهان:
أحدهما: فكرهتم أكل الميتة، كذلك فاكرهوا الغيبة.
الثاني: فكرهتم أن يعلم بكم الناس فاكرهوا غيبة الناس.

1 | 2 | 3